أخر الاخبار

توطين صناعة الألبان في مصر"خطوة نحو الاكتفاء الذاتي"

✅ توطين صناعة الألبان في مصر.. خطوة نحو الاكتفاء الذاتي

في إطار خطة الدولة المصرية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصناعات المحلية، تضع وزارة الزراعة "توطين صناعة الألبان" على رأس أولوياتها خلال الفترة المقبلة.

 تطوير شامل لمراكز تجميع الألبان

بدأت الوزارة بالفعل في تنفيذ خطة طموحة لتطوير مراكز تجميع الألبان المنتشرة في مختلف محافظات الجمهورية، هذه المراكز تُعد حجر الأساس في دعم صناعة الألبان، حيث يتم فيها استقبال الألبان من المزارعين والمربين، وتجهيزها وفقًا لأعلى معايير الجودة والسلامة.


 توطين الصناعات ضرورة وليست رفاهية "دروس مستفادة من أزمة كورونا"

أكدت الدكتورة رشا عبدالعال، الباحثة في قسم بحوث تكنولوجيا تصنيع الألبان بـ"معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية" التابع لمركز البحوث الزراعية، أن العالم كله أصبح يتجه بقوة نحو توطين الصناعات الحيوية، وعلى رأسها صناعات الغذاء، نتيجة لما كشفته جائحة كورونا من ثغرات كبيرة في سلاسل التوريد والإنتاج العالمية.


 صناعة الألبان "العمود الفقري لقطاع الأغذية والزراعة في مصر"

وأوضحت الدكتورة رشا عبدالعال أن صناعة الألبان تُعد من الركائز الأساسية للإقتصاد الزراعي المصري، لما لها من تأثير مباشر على قطاعي الزراعة والصناعات الغذائية، فهي لا تُعتبر مجرد صناعة غذائية، بل هي حلقة وصل حيوية بين الإنتاج الحيواني والتصنيع الغذائي.

🥛 إنتاج الألبان في مصر.. بين التقليدي والمتخصص

أشارت الدكتورة رشا عبدالعال إلى أن تطوير قطاع الألبان، خاصةً إنتاج الحليب الخام، يُعد أمرًا بالغ الأهمية للاقتصاد الريفي في مصر، لما له من تأثير مباشر على سبل معيشة آلاف المزارعين ومنتجي الألبان، خصوصًا صغار ومحدودي الدخل.

وأكدت أن تحسين هذا القطاع يُسهم بشكل كبير في رفع مستوى دخل الأسر الريفية، وتقليل معدلات الفقر، إلى جانب دعم الصناعات المرتبطة بالألبان مثل الجبن والمشروبات ومشتقات الألبان، والتي تمثل بدورها فرصًا اقتصادية واستثمارية واعدة.


📊 قطاعان رئيسيان للإنتاج الالبان

وأوضحت أن إنتاج الألبان في مصر يتم عبر قطاعين رئيسيين:

القطاع التقليدي: ويشمل صغار المربين في القرى والمناطق الريفية، وهو مسؤول عن إنتاج نحو 75% من إجمالي الحليب الخام في البلاد، ويُعد القلب النابض للريف المصري في هذا المجال.

القطاع المتخصص: ويضم المزارع الكبرى والمصانع الحديثة، ويُنتج ما يقارب 25% فقط من إجمالي الإنتاج المحلي، لكنه يمتاز بالجودة العالية والانضباط في المعايير.


 فجوة واضحة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك

أوضحت الدكتورة رشا عبدالعال أن الإنتاج المحلي من الحليب في مصر لا يغطي سوى 72% فقط من حجم الطلب الفعلي، وهو ما يخلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب، خاصة فيما يتعلق بـ"الحليب عالي الجودة" الذي يحتاجه مصنعو منتجات الألبان.

ولسد هذا العجز، أشارت إلى أن العديد من مصانع الألبان تضطر إلى الإعتماد على استيراد الحليب المجفف ومشتقات الألبان الأخرى من الخارج، مما يزيد من التكاليف، ويجعل الصناعة أكثر عرضة للتقلبات العالمية في الأسعار وسلاسل الإمداد.

📉 استهلاك منخفض مقارنة بالمعدلات العالمية

كشفت أيضًا أن نصيب الفرد من استهلاك الألبان في مصر لا يتجاوز 51 كيلوجرامًا سنويًا، وهو ما يُعد أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ حوالي 100 كيلوجرام للفرد سنويًا، مما يعكس وجود تحديات كبيرة تواجه القطاع سواء من ناحية الإنتاج أو التوزيع أو حتى التوعية الغذائية.


⚙️ ما الذي يُحدد كفاءة إنتاج الألبان في مصر؟

أوضحت الدكتورة رشا عبدالعال أن كفاءة قطاع إنتاج الحليب الخام في مصر لا تعتمد فقط على حجم الإنتاج، بل تتأثر بعدد من العوامل المتداخلة التي تحدد مدى قدرة هذا القطاع على النمو والتطور والاستدامة، وفيما يلي أهم العوامل التي تتحكم في كفاءة هذا القطاع.


1️⃣ ممارسات إنتاج الحليب

تشير إلى الأساليب التقليدية أو الحديثة التي يعتمد عليها المزارعون في تربية الأبقار وجمع الحليب وتخزينه، فكلما كانت الممارسات أكثر تطورًا واتباعًا للمعايير الصحية، زادت كفاءة الإنتاج.


2️⃣ الموسمية في الإنتاج والاستهلاك

يعاني قطاع الألبان من تذبذب موسمي واضح، حيث يزيد إنتاج الحليب في مواسم معينة ويقل في أخرى، في حين يظل الإستهلاك ثابتًا نسبيًا، هذا الخلل يؤدي إلى صعوبة في توازن السوق واستقرار الأسعار.


3️⃣ كفاءة الهياكل التنظيمية بين المزارعين

وجود تنظيمات تعاونية قوية بين المزارعين يُسهم في تحسين الإنتاج والتسويق والتفاوض مع الموردين والمصانع، أما ضعف هذه الهياكل، فيُعد من التحديات التي تُقلل من كفاءة القطاع.


4️⃣ توافر الموارد المالية وإمكانية الوصول إليها

التمويل عامل حاسم في تطوير الإنتاج، سواء لشراء أعلاف أو تحسين السلالات أو تحديث المعدات، لكن صعوبة الوصول إلى الدعم المالي يقف عائقًا أمام الكثير من صغار المربين.


5️⃣ سلوكيات الوسطاء

يلعب الوسطاء دورًا كبيرًا في سلسلة الإمداد، لكن في كثير من الأحيان تكون ممارساتهم غير منظمة أو تُسبب تفاوتات في الأسعار بين المنتج والمستهلك، مما يؤثر سلبًا على دخل المزارعين وكفاءة السوق.

البنية التحتية.. الأساس الحقيقي لتطوير صناعة الألبان

أشارت الدكتورة رشا عبدالعال إلى أن البنية التحتية لقطاع الألبان – سواء في الإنتاج أو النقل أو التداول أو التوزيع – تُعد من العوامل الجوهرية التي تؤثر بشكل مباشر على كفاءة وجودة المنتج النهائي.

فمن دون وجود شبكات نقل مبردة، ومراكز تجميع مجهزة، ومصانع حديثة، وآليات توزيع فعّالة، يصعب تحقيق الاستقرار في السوق أو ضمان وصول المنتجات بجودة عالية للمستهلك.


تثبيت الأسعار وتوزيع الأدوار بين الجهات المختلفة

كما أوضحت أن من أبرز التحديات التي تواجه القطاع هو غياب آليات واضحة لتثبيت الأسعار، مما يجعل السوق عرضة للتقلبات اليومية، ويُضعف من قدرة المزارعين على التنبؤ بأرباحهم أو اتخاذ قرارات استثمارية.

وأكدت على أهمية تكاتف الجهود بين القطاع الخاص، والجهات الحكومية، والمؤسسات غير الحكومية لوضع نظام عادل يوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك، ويشجع على الاستدامة في الإنتاج.


توزيع مصانع الألبان البلدية في مصر

وحول انتشار مصانع الألبان البلدية، ذكرت الدكتورة رشا أن أغلبها يتمركز في المناطق الريفية، وتحديدًا في محافظات مثل:

  • الدقهلية.
  • الفيوم.
  • دمياط.
  • المنوفية.
  • الغربية.

كما توجد مصانع أخرى في محافظات:

  • الشرقية.
  • القاهرة.
  • الجيزة.
  • كفر الشيخ.

ويُظهر هذا التوزيع مدى ارتباط الصناعة بالمناطق الريفية، مما يجعل تطوير هذه المصانع وتحسين تقنياتها أمرًا حيويًا لتحقيق جودة أعلى ودخل أفضل لصغار المنتجين.


تحديات توطين صناعة الألبان في مصر

صناعة الألبان في مصر يواجه عدة تحديات جوهرية تعرقل تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات المحلية، وتؤثر بشكل مباشر على جودة وكفاءة الإنتاج، ومن أبرز هذه التحديات:

🐄 1. انخفاض إنتاجية مربي الألبان

يعاني الكثير من منتجي الألبان – خاصة صغار المربين – من انخفاض في كمية الحليب المنتج لكل رأس ماشية، وهو ما يقلل من العائد الإقتصادي ويجعل الإستمرار في هذا النشاط أقل جدوى.


⚙️ 2. ضعف كفاءة تربية الحيوانات والتعامل مع الحليب

تشير التقديرات إلى وجود قصور في إدارة عمليات التربية والرعاية الصحية للحيوانات المنتجة للألبان، بالإضافة إلى طرق غير سليمة في جمع وتخزين الحليب، مما يؤدي إلى فقد كبير في الجودة والكمية.


💸 3. ممارسات إنتاج غير فعّالة ومكلفة

لا يزال الكثير من المزارعين يتبعون أساليب إنتاج تقليدية لا تتماشى مع المعايير الحديثة، مما يزيد من التكاليف التشغيلية، ويُضعف القدرة التنافسية لمنتجات الألبان المحلية، سواء في السوق المحلي أو العالمي.


🚫 4. نقص الخدمات المساندة لصغار المزارعين

يعاني الكثير من المربين من نقص حاد في الخدمات الأساسية التي تُعد ضرورية لتطوير قطاع الالبان، مثل:

  1. خدمات الإرشاد الزراعي والتغذوي.
  2. الخدمات البيطرية الدورية.
  3. التلقيح الاصطناعي لتحسين السلالات.
  4. الخدمات المالية والدعم الفني.

هذا النقص يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وضعف القدرة على مواجهة المشكلات الصحية أو التغذوية للحيوانات.


💰 5. ارتفاع تكاليف المدخلات الأساسية

شهدت أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج ارتفاعًا كبيرًا خلال الفترات الماضية، مما شكّل عبئًا ثقيلًا على صغار المربين، وأجبر بعضهم على تقليل أعداد رؤوس الماشية أو الاعتماد على تغذية أقل جودة.


6.ضعف جودة الأعلاف وأنظمة التغذية

إلى جانب ارتفاع الأسعار، تعاني السوق من انخفاض جودة الأعلاف المتاحة، بالإضافة إلى غياب أنظمة تغذية متوازنة ومدروسة علميًا، وهو ما يؤثر مباشرة على صحة الحيوان، وكفاءة إنتاج الحليب، وجودته.


🛠️ حلول مقترحة لمواجهة التحديات وتطوير صناعة الألبان

ترى الدكتورة رشا عبدالعال أن التغلب على التحديات التي تعيق توطين وتطوير قطاع الألبان في مصر ليس مستحيلًا، بل يتطلب خطوات علمية ومنهجية واضحة تستهدف رفع كفاءة الإنتاج وتحسين جودة الحليب، خاصة لدى صغار ومتوسطي المربين، وتقترح عدة حلول أساسية من أهمها:

1. تحسين السلالات وتنمية الثروة الحيوانية

  • اختيار سلالات ذات إنتاجية موثوقة وتاريخ وراثي مثبت يضمن استقرار العائد الاقتصادي.
  • تقليل الإعتماد على السلالات الضعيفة أو المختلطة التي تؤثر على الإنتاج وتزيد التكاليف.
  • الإعتماد على سلالات محسّنة وراثيًا تمتاز بقدرتها العالية على إنتاج الحليب.


2. توفير نظم تربية علمية ومتخصصة

  • تطبيق أساليب تربية حديثة تراعي طبيعة السلالات واحتياجاتها.
  • تحسين البيئة المعيشية للحيوان من حيث التهوية، النظافة، الراحة، والرعاية الصحية.

3. تغذية متوازنة مبنية على أسس علمية

  • تقديم احتياجات غذائية محسوبة بدقة وفقًا لعمر الحيوان ومرحلة الإنتاج.
  • استخدام عليقة متوازنة تحتوي على البروتين والطاقة والمعادن والفيتامينات.
  • تجنب العشوائية في التغذية، لأنها تؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب وسوء حالته الصحية.

4. الرعاية البيطرية والتحصينات

  • توفير لقاحات وقائية لتحصين الحيوانات من الأمراض الشائعة، وعلى رأسها الحمى القلاعية، التي تؤثر سلبًا على صحة الحيوان وإنتاجيته.
  • تفعيل المتابعة البيطرية الدورية لمزارع الألبان، خاصة في المناطق الريفية والنائية.

👩‍⚕️ 5. إعداد كوادر بيطرية متخصصة

  • ضرورة توفير أطباء بيطريين مدرّبين تدريبًا جيدًا، قادرين على التعامل مع مختلف الحالات المرضية والتغذوية.
  • إنشاء أو دعم مراكز بحثية بيطرية متخصصة في أمراض الثروة الحيوانية، لتقديم الاستشارات والتدريب والخدمات العلمية للمربين والمزارعين.

🌾 6. زيادة إنتاج الأعلاف بجودة عالية

  • العمل على زيادة المساحات المزروعة بمحاصيل الأعلاف الأساسية مثل البرسيم الحجازي والذرة الصفراء، وهي من أهم المصادر الغذائية للأبقار الحلوب.
  • الإلتزام بمعايير الجودة العالمية في الزراعة والإنتاج لضمان أعلاف صحية ومغذية تساهم في رفع إنتاج الحليب.

🏞️ 8. توسيع قاعدة الإنتاج من خلال المزارع المتخصصة

أهمية تشجيع إنشاء مزارع ألبان متخصصة، تُدار بأساليب علمية وتستخدم سلالات عالية الإنتاج، ضمن جهود الدولة لتطوير قطاع الألبان، وأكدت على ضرورة الإستفادة من قانون الإصلاح الزراعي، بما يتيح فرصًا حقيقية للمزارعين والشباب للإستثمار في هذا المجال الحيوي،

إن هذه المزارع يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في الإنتاج، من حيث الكم والجودة، وتوفر قاعدة قوية لدعم الصناعات التحويلية القائمة على الألبان.


🚛 جودة الألبان تبدأ من الحلب وتنتهي بالنقل

وأضافت أن أحد أهم العوامل المؤثرة في جودة الحليب الخام هو الطريقة المستخدمة في الحلب، إلى جانب سرعة نقل الحليب من المزرعة إلى مراكز التجميع.
وتوصي بالآتي:
  1. نقل الحليب في سيارات مبردة أو أوعية مخصصة تضمن الحفاظ على درجة الحرارة المناسبة.
  2. تقليل الزمن بين الحلب والنقل لضمان وصول الحليب طازجًا ونظيفًا إلى مراكز التجميع.
  3. استخدام وسائل حلب نظيفة ومغلقة تحافظ على سلامة الحليب من التلوث.


في النهاية 

إن توطين صناعة الألبان في مصر لم يعد مجرد مشروع تنموي أو تحسين لقطاع زراعي معين، بل هو خيار استراتيجي لبناء أمن غذائي حقيقي واقتصاد مستدام يدعم صغار المزارعين، ويعزز من قدرة الدولة على مواجهة الأزمات العالمية.

ورغم التحديات التي يواجهها  قطاع الألبان، إلا أن الفرص متاحة بقوة، خاصة مع توافر الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، والكوادر العلمية المتخصصة.

إن تطوير قطاع الألبان يتطلب تكاتف الجهود بين الدولة والقطاع الخاص والمزارعين، إلى جانب نشر ثقافة الإنتاج العلمي، وتحسين الممارسات، وتوفير الخدمات البيطرية والتمويلية.
محمود نادي
بواسطة : محمود نادي
موقع مصر العظمي يبث الأخبار الإقتصادية والعسكرية و الإخبارية والمالية، للإعلان تواصل معنا عبر صفحة اتصل بنا أعلي الموقع.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-